برتراند راسل عدو القوّة اللاواعية

لم يكن برتراند راسل متصالحاً مع عصره، وهذه سمة كل مفكر عظيم. دخل في صراع مع الأيديولوجيات الهدامة وكل ما من شأنه أن يحطّ من قيمة الإنسان ويهدر كرامته، ويجعله كائناً مسلوب الإرادة.

إنه الفيلسوف الأكثر عقلانية في عصره. ذلك العقل الجبار، الذي اخترق كل النظم السابقة، وقام بتشريح البنى التي تقوم عليها السلطات، معلناً بكل جرأة أن النظم الاجتماعية والسياسية، في كل مكان من العالم وفي العصور كلها، ليست سوى مؤامرة كبرى للقضاء على حرية الفرد، التي يقدسها راسل، ويعتبرها أساس كل نظام. فالسلطة، ولأنها سلطة، لا يمكن أن توافق على خروج رجال عن قوانينها وأفكارها، وهي بذلك تحرّم التفكير المختلف.

إن هذه النصوص المختارة من كتب راسل يجمعها عنوان واحد، ألا وهو "عدو القوة اللاواعية"، وهو تعريف للفكر "الراسلي" إذا جاز التعبير، لأنه وقف في مواجهة كل القوى الوحشية التي تهدد وجود الإنسان على الأرض.

قراءة راسل ليست ممتعة فقط، إنها قوة هائلة محرضة على التفكير المختلف. إنه يستحق كل تقدير واحترام، ليس لأنه أبو التحليل الفلسفي الحديث، وإنما لأنه بكل المقاييس كان رجلاً يتمتع بذكاء مذهل، وأحد أعظم علماء المنطق في كل العصور.